د.على الشايب ابودقن/ المحامي، يكتب الفريق اول الكباشي وتبلدية الدلنج

وفاءٍ وودِّ عندي لبنت التبلدي
في كلّ خفقة قلبٍ وكلّ زفرة وجدي
فيا ابنة الروض ماذا جرى لمغناك بعدي؟
مازلتِ وحدك إلفي يا ليتني لك وحدي
هل تذكرين عهوداً قد عشتها في جنابك؟
وهل شـــجـــاك غيــــــابي ؟ إنّي شجٍ لغيابك
مازلت في البــــــــعد أحيا كأنني في رحابك
هذا شبـــابي يولي فكيــــف حال شبابك؟
لا تحزني إنْ تعرّتْ لدى المصيفِ فروعك
أو إنْ يبستِ فبانتْ من الذبول ضلوعك
فدون ما راع قلبي من الأسى ما يروعك
أنا لن يعود ربيعي لكنْ يعود ربيعك
ياربّ صيفٍ تجنّى على بديعِ جمالكْ
وأشعل التّربَ شوقاً إلى وريفِ ظلالكْ
أبلى شبابَك لكنْ زاد البِلَى من جلالكْ
ومن غصونك كفٌّ رفعتها في ابتهالكْ
وجاء عيدك طلْقاً له ابتسام البشيرِ
يتيه حسناً ويزهو في موكب من زهورِ
وأصبح الكون روضاً مضمّخاً بالعبيرِ
فكنتِ عذراء زانتْ عُرْسَ الوجود الكبيرِ
حيناً من الدهر عشنا ياجارتي في حبورِ
يزهو كلانا بعود من الشباب نضيرِ
فكنتِ أجمل عشٍّ لساجعات الطيورِ
وكنتُ عشّ العذارى من كل عِينٍ وحورِ
يا جارتي لستُ أنسى يوم الوداعِ الحزينِ
وأنتِ في الصمتِ حيرى وربّ صمتٍ مبينِ
مددتِ نحوي غصوناً كاذرعٍ تحتـــويني
فكدتُ إذ صافحتني لها أمدّ يميـــــــــــــني
وكم تلفّــــتُ خلفي بحســـــــرةٍ و التيــــــــاعِ
و الركب يمضي بعيداً عن حالمات البقاعِ
وللغصون الأعالي في الريحِ خفق الشراعِ
كأنّها منــــك كفٌّ قد لوّحتْ في وداعي
ياجارتي أين مني عهد الهوى والفتون ؟
وأين صفوي ولهوي في ماضيات السنين ؟
قد ضمّـهنّ فــؤادي وحاطهـــــــــنّ حنيــــــني
يا غادة الأيك عام يمرّ من بعد عامْ
ولا تزالــين ذكـرى بقلــــبي المستـــــهامْ
يا رُبا السحر حيا ثراك هامي الغمامْ
وياربيـــــع شبـــــابي عليك ألف سلامْ
*هذه القصيدة الرائعة التى سار بها الركبان ، صدح بها الشاعر الأستاذ والمعلم فى العام ١٩٦٤م حينما كان المعلم رمزاً وايقونة ومثال يحتذى به جعفر محمد عثمان الذى تخرج من كلية دار العلوم بالقاهرة ونال دبلوم التربية من جامعة عين شمس ، تقول الرواية بأن شاعرنا الفذ تم نقله إلى معهد المعلمين بمدينة الدلنج حيث خلف الاستاذ تادرس يعقوب القرموشى فى المنزل الذى كان يقطنه وبها شجرة التبلدى التى ألفها وألفته وشهدت صباه ، وما أن غادر هذه المدينة الرائعة ذات الحسن والجمال (عروس الجبال ) حتى شدته الأحزان صوب التبلدية فخلدها شعرا جزلا ، فيه من التصوير والتشبية والبلاغة فى أبها صورها ، كناية وإستعارة معبرة عن الشوق والهيام والفراق والأحزان حتى يخيل للقارئ إن قصيدة التبلدية قصيدة من الشعر الرمزى تخفى فى ثناياها دون ما يرمى إليه الشاعر .
ما ذكرت الدلنج وإلا إرتبط إسمها بالتبلدية ، لم يزورها احد إلا وسأل عنها وذاك كان فيما مضى ، للشعوب رموز وللمدن كذلك ، والتاريخ قلما يسقط الرمز من سفره فهو المنارة والشعلة والعنوان الذى يبدأ به ثم يليه تاليات التدوين .
لم تكن تبلدية شاعرنا *جعفر محمد عثمان وحدها إحدى رمزيات تاريخ عروس الجبال أو الدلنج سودان كما يحلو لأهلها ، تجسيدا لإنصهار أجناس شتى رغم إنها معقل قبيلة الدلنج إحدى عشائر الاجانق وما بينهم وبين دلنجات فى مصر ليس من الخبط العشوائى ولكنه تاريخ تعضده قواسم مشتركة منها اللغة وآْخريات وذاك موضوعا ً آخر ، قبل ذلك شهدت صمود البطل السلطان عجبنا وهو يعتلى منصة شنقه بعزة وكبرياء اصاب جلاديه من المستعمر بطعنة نجلاء فى صميم كبرياءهم ولا ننسى إبنته(مندى) فهم نموذج للإسقاط والتجاهل المتعمد من سفر تاريخ السودان .
*لم تتكئ الدلنج سودان أو عروس الجبال وشعبها الأبى بمكوناته المختلفة على أريكة رمزية تبلدية جعفر محمد عثمان أو البطل الشهيد السلطان عجبنا وإبنته مندى أو الناظر السير الأمين على عيسى إنما أضافت رمزا آخر حينما دعا داعى النداء بأن هلموا فالاوباش على تخوم مدينتكم مستهدفين تاريخها ونسيجها وثقافتها وقبل ذلك إنسانها إحلالاً وإبدال .
*الشعب السوداني بأثره رأى ما رأى وليس من رأى كمن سمع ، رجالاً كالأسود الضاريات ، شتتوا كتل البغاة ، القادمون مع الظلام ، رأى الشعب رجالاً يحملون العصى والفؤوس ونساءاً ماجدات يبثن الحماسة زغرودة وإعانة، ما إستكانوا ولا وهنوا وتعللوا بضعف الزاد وقِلة المؤونة ليسلموا مدينتهم الرائعة تسليم مفتاح للخونة والوحوش ليستبيحوا النساء ويذلوا الرجال ، سطروا موقفاً للتاريخ وهم يقفون خلف الفرقة ناس هجانة ام ريش فى تلاحم أسطورى وبعدها حذت بحذوها على بعد سبعين كيلو متر فى أقصى شمال شرقها الجبال الستة ( قبيلة الكدرو ) وحاضرتها كُرتالا ولن يستطيع الذين يدونون التاريخ مستقبلا من إسقاط و تحوير تلك المعارك البطولية فهو إحدى رمزيات معركة الكرامة فى سفرها الخالد ، وآن للفريق اول شمس الدين كباشى نائب القائد العام للقوات المسلحة السودانية وهو احد أبناءها حيث بيت أسرته البسيط المتواضع بأن يقول وهو على تلال جبل موية ( أنحنا مبسوطين أوى )






